اعتبرت الأكاديمية التونسية سهام بنت محمد بن عزوز في مقال كتبته لوكالة مهر للأنباء بأن التصريحات الأخيرة لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي على هامش اشغال اجتماع مجلس شورى حركة النهضة، بأنه ''لا يمكن أن نكفّر الدواعش.. لا يمكن أن نكفّر أحدا يقول لا اله الا الله"، متوقعة وغير صادمة وتأتي ضمن الخطاب الدبلوماسي المنمق لتنيظم "داعش" الإرهابي.
ونوهت بن عزوز إلى ان الغنوشي أشار في تصريح آخر إلى أن داعش ''حالة متوترة وغاضبة''، مضيفا ''لا أبحث لهم عن مبرر. هو صورة من صور الإسلام الغاضب الذي يخرج عن العقل والحكمة ونحن نقول له أنت ظالم ومخطئ ومتطرّف ومتشدّد".
وأضافت الباحثة التونسية ان هذه التصريحات جاءت من رئيس احدى الحركات الاسلامية في العالم العربي التي تعتبر نفسها ومنذ انطلاقة الربيع العربي المزعوم، حركة تصحيحية مبشّرة بمستقبل اسلامي متطوّر بعيدا عن التعصب والمغالاة والتزمت والانصياع لاوامر الساعين لتشويه الاسلام، حركة حاول زعيمها تقديم نفسه وحركته على انهم الحلّ المخلّص من كل الافات في المجتمع، الحلّ الامثل للخلاص من الدكتاتورية والاستبداد والظلم الاجتماعي والفساد والنفاق السياسي فاجتاحوا الانتخابات في 2011 ونجح مشروعهم في الوصول الى السلطة بتاييد شعبي كاسح حتى من غير المنتمين والمريدين لهم سابقاً كلّ هذه الاعمال من المستحبّات بل لنقل انها من الصور الاكثر رومانسية.
وتابعت بن عزوز إن المجتمع التونسي لن يقبل بسهولة هذا الاجتهاد ومن وراءه من منظرين ومسوّقين ومن جهة اخرى السياسة بكل اركانها المكشوفة وغير المكشوفة من تسويات ومناورات ومصالحات هنا وهناك حتى لو لزم الامر التحالف مع الخصم القديم سياسياً والدخول معه في "ثنائية سياسية" في مواجهة كل القوى المعارضة يسارية كانت او حتى اسلامية من خارج الحركة، موضحةً إن الكثير انتقدوا هذا التصريح وربما منهم من وضعه في خانة الانقلاب على التفاهمات ومنهم من أقر بأنه رؤية الحركة ومنهجها الذي قد يرفض داعش كتصرف وسياسة ميليشياوية في المنطقة ولكنه يدعمها كفكر وتوجه وربما ابعد من ذلك.
وبينت الأكاديمية التونسية إن هذا الكلام يقرا في عدة مواقع ، الموقع الاول هو الهدف من هذا التصريح ، مشيرةً إلى بعده الداخلي فهو مطمئن لبعض الفئات والتوجهات الفكرية والعقائدية القريبة جدا من الفكر الداعشي بكل معانيه ، مبينةً إن هذا الفكر الوهابي في اصوله والداعشي في سياقه يعمل منذ سنوات على زرع بذوره في تونس من خلال التأطير الفكري للفئات الضعيفة في المجتمع ومن خلال دعم فكرة السفر للجهاد في بؤر التوتر في الشرق الاوسط وتحديدا في سوريا والعراق واليمن ومصر.
واستبعدت بن عزوز أن تكون هذه التصريحات ارتجالية غير مقصودة فزعيم الحركة الاسلامية رجل ذكي ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان يرتجل موقفا سياسيا بهذه الاهمية والخطورة و يظهر فيه تعاطفاً وانسجاماً مع ما يقوله في حق جماعة يعلم هو قبل غيره انها موصوفة بالارهاب دولياً، مجموعة تجاوزت مستوى الاتهام الى الفعل الوحشي المنتهك لكل الشرائع الانسانية وليس فقط الاسلامية، منوهةً إنه يعلم قبل غيره ان هؤلاء هم صنيعة غربية بامتياز بل امريكية بريطانية بامتياز، مشيرةً إلى إن تصريحات هيلاري كلينتون دليل على دور الولايات المتحدة و حلفائها الخليجيين في دعم داعش و تسليحها و تسهيل حضورها في الساحات.
وأضافت الباحثة التونسية إن الغنوشي يعلم قبل غيره إن "داعش" شوهت راية الإسلام ومثلت في عقائده وكفرت أهل السنة والجماعة قبل غيرهم من المذاهب والملل وارتكبت المجازر بحق الأبرياء، معتبرةً إن تصريحاته تحمل رسائل للداخل والخارج، فهي من جهة محاولة لتقديم التطمينات لحاملي هذا الفكر الوهابي المؤيد لمشروع داعش في المنطقة ولاسيما إن العديد من الشباب التونسي انخرط في صفوف "داعش" مدعومين من حركة النهضة التي كشفت عنها تصريحات عائلات هؤلاء الشباب مؤخراً.
واعتبرت بن عزوز إن هذا الكلام بمثابة ضمان النفسي و الاجتماعي لهؤلاء الشباب المنخرطين علنا في مشروع داعش من جهة ولعائلاتهم المنكوبة والتي لا يزال جزء كبير منها ينتظر على أمل ان يرجع أبناءهم للبلد منصورين، ودعم للفكر المتطرف الذين يتحرك بحرية على المنابر الدينية والثقافية وحتى الاكاديمية يطلقون حملات التطرف والفتنة للتشكيك في كل فكر او تصور او مشروع مخالف لتوجهاتهم.
ونوهت بن عزوز إلى إن هذا الموقف خطير جداً وليس من المعقول تجاهله بل يتطلب المسائلة لتحديد المسؤوليات، فكيف له أن "يقبل بهذا الفكر الذي يجمع كل العالم على انه تدميري مشوه للاسلام وهو بالفعل لا يمثل الاسلام في شيئ ويدعي انه فكر غضب ثوري وقد نختلف معه في الاسلوب وطريقة العمل لكننا بدون شك لا نرفضه و ان لم ندعمه"، مشيرةً إلى إن ما قاله الغنوشي يتنافى مع ما ادعته حركة النهضةبالانفصال عن حركة الاخوان المسلمين العالمية تماشيا مع خصوصية الوضع التونسي والمجتمع التونسي الذي يختلف كل الاختلاف مع باقي المجتمعات الاسلامية "الاخوانية"' في المنطقة.
وتساءلت بن عزوز عن مدى تأثير هذا التصريح مع واقع الحال للحركة في تونس التي تعمل تحت مظلّة الدولة الحرة المستقلة و التي تحترم الخيارات و التوجهات و الانتماءات فيها.
وعن الأبعاد الخارجية للرسالة التي اطلقها الغنوشي في تصريحه اعتبرت الباحثة التونسية إن مقيل دهم صريح وتأييد لتوجه الدولي بقيادة امريكا و السعودية لضرب ايران و حلفائها تحت غطاء الدفاع عن اهل السنة ضد ما وهم الخطر الشيعي الايراني الذي صنعته امريكا والسعودية و كأن "داعش" هذه صنعت لاجل نصرة اهل السنة المضطهدين من قبل الشيعة "الظالمين".
وأضافت بن عزوز إن هذا الوصف الذي قدمه الغنوشي لا يمكن ان يخرج عن سياق القول بان داعش كما يراها حركة اسلامية مخالفة غاضبة ثورية و لكن و ان صرّح بانه لا يؤيد سلوكها و عملها لكنه لا يرفضها و لا يحاكمها بالرغم من كل ما فعلت و تفعل بالمنطقة على الرغم من أنه يعلم قبل غيره انها صناعة غربية بامتياز هدفها خدمة مشروع تدميري للبشر و الحجر في المنطقة.
واختتمت الباحثة التونسية مقالها قائلة: لعلّ الشيخ الغنوشي لا يهمه هذا الواقع بقدر ما تعنيه الضمانات و التأييد التي يحتاج اليها داخليا من حاملي الفكر الداعشي، لتبقى الحركة ذراعاً قوياً يرعب الصديق قبل العدو و اما على المستوى الخارجي فهوتقديد ولاء للدول الداعمة و المؤيدة لها و على رأسها المملكة العربية السعودية، ويبقى هذا التصريح لا يقل خطورة عمّا يمكن ان تشهده الارض من تطورات في قريب الايام. /انتهى/
تعليقك